مجلة مملكتي مجلة مملكتي
recent

آخر الأخبار

recent
random
جاري التحميل ...

مرحباً بالتعليقات الجديدة .

ثمن الغربة

كتب / دكتور مسعد السيسي



كتب / دكتور مسعد السيسي

ظل الدكتور عبد الغني يعمل في المملكة اكثر من ثلاثين سنة ... كان من عادته ان يقسم أمام الجميع بأغلظ الايمان كل عام انه لن يجدد التعاقد ولكنه قبل تجديد التعاقد بشهر يسوق الاعذار التي أُضطر بسببها للتجديد ... مرة ان بناء الفيللا لم يكتمل ...ومرة أخري التحاق الاولاد بجامعات خاصة تشفط كل موارده .


اصبح يمتلك فيللا في احد الاحياء الراقية مفروشة بأفخر الآثاث وأصبحت أسرته تمتلك ثلاث سيارات حديثة. صحيح انه لايري كل هذه الابهة الا مرة كل عام وكان كثيرا مايشكو لزملائه بذخ زوجته وسفاهتها في الانفاق وضخامة المبالغ التي يبددها اولاده. ولكنه كان دائما في النهاية يكرر مقولته.... احنا عايشين عشان مين؟


انتهي من نوبتجيته الليلية وانصرف في الصباح الباكر مرهقا ليعود متثاقلا الي شقته مارا بحدائق المستشفي الواسعة الممتدة. حفرت السنون علامات الشيخوخة في وجهه ولم يعد جسده يتحمل مجهود العمل . الهدوء يعم المكان . فجأة سقط الرجل علي الارض بلاحراك.


كانت بعض الممرضات الفليبنيات يسلكن نفس الطريق المؤدي الي المستشفي . اسرعت احداهن الي الجسد المسجي علي الارض وصرخت في زميلاتها. وصرخت الأخريات وفي دقائق معدودة امتلأ المكان ..البقاء لله لقد مات الرجل وتم وضع جسده في ثلاجة المستشفي.


في اليوم التالي تم اخطار اسرة الدكتور عبد الغني كما طُلب منهم عمل توكيل لأكبر ابنائه لتسلم مستحقاته وجري علي وجه السرعة ارسال تاشيرة له لدخول المملكة. بعد ايام قليلة توجه عدد من الأطباء الي المطار لمقابلة الآبن الأكبر للدكتور عبد الغني وقد كان ظنهم أن ذهابهم اليه ومقابلته علي هذا النحو سوف يخفف من حزنه ويهديْ من روعه وجهز البعض نفسه لتجفيف دموعه. لكن الولد كان يتصرف بطريقة لاتوحي باي حزن علي فقد والده ويبدو أنه قد حضر لهدف محدد وواضح الا وهو النيل من مستحقات ابيه الكبيرة.

 وتأكد للجميع ذلك عندما اصطحبوه للتعرف علي جثة ابيه كجزء ضروري من الاجراءات. توقعوا أنه سينهار باكيا ومتشنجا ومقبلا جسد ابيه الذي قضي جل عمره لاجلهم. لكن شيئا من هذا لم يحدث.

طلب الاطباء من الابن ان يأتي معهم الي سكن الوالد لتسلم متعلقات والده ....دخلوا جميعا الي شقة المتوفي وبدأ أحد الأطباء في احصاء محتويات الشقة للابن . كانت أرض الصالة مفروشة بموكيت قذر متهتك وبعض المخدات الاسفنجية تتناثر هنا وهناك وتليفزيون صغير موضوع علي منضدة صغيرة بالية في أحد الاركان. وكان في غرفة النوم سرير مكون من صناديق خشبية قديمة عليها بعض الالواح وملقي عليها مرتبة يخرج منها بعض اجزاء من احشائها. أما المطبخ فقد كان يرقد فيه منضدة خشبية بالية وعليها بعض الاطباق بها طعام ملتصق جاف ومتعفن وملاعق من النوع الرخيص وبقايا اوراق واكياس متناثرة وبعض من قشر الموز الاسود والبرتقال . كانت الثلاجة فارغة الا من بعض الماء والبيض وطبق به بقايا فول مدمس متحجر.

تغير وجه الابن وجحظت عيناه وهو ينظر الي الاطباء نظرة طويلة صامته مخيفة. ثم صاح فجأة بصوت عالي متحشرج ... ابويا كان عايش هنا ....قالها عدة مرات وهو يلطم وجهه كما يفعل نساء القري عند موت عزيز عليهن ثم وقع علي الارض مغشيا عليه.

افاق الابن وعرض عليه احدهم ثمن محتويات الشقة وفي مساء نفس اليوم قام احد الاطباء بتوصيله الي المطار الي المطار وهم يقولون لبعضهم رحمة الله عليك ياعبد الغني. ..

عن الكاتب

Aye efat

التعليقات


اتصل بنا

مبروك تم الاشتراك بنجاح فيه مجلة مملكتي سيصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظة

مجلة مملكتي