كبوة العرب
بقلم
سامية بن يحي
إن الاختلاف بين البشر وجد منذ خلق آدم عليه السلام وهذا ماأقرت به كل الديانات والكتب السماوية ، كان آخرها الدين الإسلامي الذي جاء لينظم هذا التباين الفكري واللغوي والعقائدي من خلال أن الناس سواسية وكل إنسان له الحق في الحياة والتمتع بحقوقه مقابل احترام حقوق وهويات الآخرين ، لهذا نحن لا نختلف أن أي دولة بها أقليات تحمل ذاك الاختلاف .
غير أن التاريخ أرخ مآسي وصلت لحد حروب الإبادة الجنسية والتطهير العرقي للكثير من تلك الأقليات خاصة خلال العقدين الأخيرين ، فما حدث في البوسنة والهرسك أكثر من 300000 مسلم أبيد حسب اعتراف الأمم المتحدة والأمثلة كثيرة كلها أرست بداية لمرحلة أكثر شراسة في إلغاء الآخر عبر تاريخ تطور الإنسان منذ تشكيل الدولة الحديثة وبعد الحربين العالميتين
ومما لا شك فيه أن الدول العربية لم تكن بمعزل من تلك الإبادات عندما انتقل الصراع القائم بين الدول إلى صراع مايسمى المعضلة الأمنية المجتمعية وما حدث في لبنان خير دليل إذ يعتبر من أكثر البلدان العربية القائمة على الطائفية كان نتاجها حرب أهلية دامية .
ويبقى السؤال دائما يتكرر لماذا وصلنا إلى مثل هذه الحروب وماذا جنت الدول العربية منها؟
إن المتتبع لهذه الدول يجد أن معظمها تحكمها أنظمة شمولية مستبدة وطاغية أساسها يقوم على منح كل الحقوق لفئة معينة وقمعها عندما تتعلق بفئات أخرى من حيث توزيع الثروة ، والتمثيل السياسي ، والتنمية وغيرها من أشكال إلغاء الآخر هذا مايولد الشعور بالظلم والمطالبة بكافة الحقوق وعدم المساس بهوية كل أقلية داخل نفس الدولة بل أكثر من ذلك المطالبة بإسقاط النظام وهذا ماحدث في بلدان عربية كثيرة منها في العراق مليون إنسان قتل فترة حكم الرئيس الراحل صدام حسين ، وفي الجزائر أكثر من 150000 شخص قتل في التسعينيات خلال مايعرف بالعشرية السوداء وأحداث بني مزاب بغرداية 2016 ناهيك عن ما أفرزته أيضا حروب ما يسمى حديثا بالربيع العربي في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا التي قتل بها منذ 2011 أكثر من ربع مليون شخص .
أما الشق الثاني من التحليل يتمثل في أطماع الدول الغربية الكبرى للحصول على الموارد الطبيعية داخل المنطقة العربية كونها تتمتع بمواقع جيوستراتيجية ومن ناحية أخرى تجسيد المخطط الغربي الإمبريالي ووضع خارطة جديدة في المنطقة وفق ماتمليه مصالح الغرب وتغير قواعد اللعبة السياسية على إثر تحول المفاهيم و متغيرات الصراع بعد الحرب الباردة مايسمى بالصراع الحضاري الأيديولوجي والذي تتزعمه أمريكا بامتياز مع حلفائها حيث تعمل على تفكيك هذه الدول التي يغيب عنها الحكم الديمقراطي بل كثيرها أنظمة موالية لسياسات الغرب حتى تضمن إستمراريتها ، لهذا تعمل الدول الكبرى على تغذية هذه الأقليات بغية خلق بؤر توتر واستغلال مالحقها من ظلم حتى تصل إلى حد تسليحها وبذلك النجاح في زعزعة استقرار الدولة وخلق دولة داخل دولة واحدة واعتماد ما اصطلح عليه الحرب بالوكالة ثم السيطرة على ثروات تلك الدول وهذا ماحدث في ليبيا وسوريا واليمن والعراق كما ذكرنا آنفا وحتما سيأتي الدور على بلدان عربية أخرى مستهدفة مثل المغرب العربي ، ولم يجني العرب سوى الدمار لشعوبها .وبالتالي أصبحنا نسير بخطى متسارعة نحو دمار الأمم .
إذن فمختصر القول وملخصه أننا لايمكن أن نتخلص في دولنا العربية من المعضلة الأمنية المجتمعية وكل الصراعات الإثنية إلا إذا اعتمدنا ديمقراطية تشاركية حقة قائمة على احترام الآخر والتمكين لنيل حقوقه والحفاظ على هويته ثم الوقوف ضد كل أشكال التطرف والإرهاب باسم الدين هكذا نسد كل الذرائع التي تقدمها الدول الكبرى في التدخل بحجة مكافحة الإرهاب وحماية حقوق الإنسان عندها تنتهي كبوة العرب .