الترزي

 ي

كتب / دكتور مسعد السيسي



كان عم فاروق الترزي القابع دائما علي باب دكانه جالسا علي مقعده منكفئا برأسه علي قطعة القماش المفروده علي حجره يضرب الابرة باالكستبان المعدني المثبت في اصبعه لايرفع رأسه الي أعلي الا لرد السلام او لمتابعة المتهاديات المارات امامه.

 حتي يغبن عن عينه.


وقد كنا نثور أشد الثورة علي أبينا اذا علمنا انه سوف يذهب بالكستورالمقلم اليه لتفصيل البيجامات لنا.

 كان مبعث غيظنا أن الرجل دائما يسرف في أخذ مقاساتنا فيكون منتجه النهائي دائما اضحوكة علي اجسامنا. 

علمنا أن الرجل يفعل هذا عن قصد وكان هذا يجد الترحيب من الاباء والامهات .

 لعله كان يعمل حسابا للزمن حين تكبر اجسامنا او أنه يفعل ذلك حتي يستطيع الجميع ارتداء نفس الملبس المفرط في الاتساع.

لم نكن نحترم ابدا بيجامات عم فارق الطويلة الاكمام والتي تتدلي حتي منتصف أفخاذنا ويرتفع بنطالها حتي صدورنا فكنا نأخذ البيجامات سرا الي خالتي التي لديها ماكينة الخياطة الشهيرة سنجر فتقوم بقصها ورفيها حتي تناسب اجسامنا وكانت تفعل ذلك وهي تضحك من منتجات عم فاروق الفضفاضة.

لم ننسي حكاية عم فاروق مع الرئيس . 

فقد كان دايما يردد أنه ومجموعة من الترزية قاموا بتفصيل بدلة من صوف المحلة المصري الفاخر ثم اهدوها للرئيس جمال عبد الناصر .

 وعندما كنا نساله بسخرية ...ازاي عرفت مقاسه ياعم فاروق؟ كان يجيبنا بكل ثقة ..من الصور ياولد انت وهو ...فيقول أحدنا له ضاحكا ...أكيد الرئيس مش هيلبس البدلة دي ياعم فاروق ... فينظر الينا مستنكرا ليه ياولد؟ فنرد كلنا ... اكيد واسعة وطويلة ياعم فاروق.


كبرنا قليلا وكبر عم فاروق وشاهدنا بريق مهنته ينطفيء فضعف نظره وقل الاقبال عليه واقتصر عمله علي الاعمال البسيطة بعد أن غزت المنتجات المستوردة الاسواق.

 اصبح الرجل يجلس علي باب دكانه يستطلع المارة دون عمل ينجزه وغطي التراب ارفف الدكان وعلا الصدأ ماكينة الخياطة الكبيرة فاصبحت كالخردة.

بعد سنوات عديده غبت فيها عن الحي جذبتني ذكريات الطفولة وراودني الاشتياق لرؤية دكان عم فاروق. 

مررت بالدكان فشاهدت شابا يزيد عن العشرين بقليل يقف في صدر الدكان.

 توقعت وفاة الرجل.

 قلت لابنه بعد ان صافحته ...انت ابن عم فاروق؟ هز رأسه بالايجاب. 

كان الدكان مكتظا بالحلوي والبسكويت وكراتين الشيبسي . 

فتحت ثلاجة المياه الغازية المنصوبة علي باب الدكان لمحت صورة لعم فاروق معلقة داخل الدكان وعلي أحد أركانها شريط أسود.

 م نظرت الي اليافطة المثبتة أعلي الدكان ...بقالة اولاد فاروق .... همست بصوت خفيض ..رحمة الله عليك ياعم فاروق.