كتب / دكتور مسعد السيسي
لم اصدق اذناي .
لقد صدر الفرمان من ابي الي أمي .
لن يصبح في مقدوري الذهاب الي المدرسة بعد اليوم.
كنت أغالب النوم متكوما بين اخوتي المتراصين علي ارض الغرفة الوحيده التي يتكون منها بيتنا .
الجميع يغطون في نوم عميق بينما يمارس ابي عادته بعد عودته من سهرة المقهي في اثارة الضوضاء والجلبة بصوته الأجش كل ليلة عند تحصيل ماجمعه اولاده من فلوس.
تعطي له أمي كل الفلوس صاغرة فيرمي لها جزءا يسيرا ويضع الباقي تحت مخدته .
ينطفيء نور الغرفه ويسود الصمت فييستغرق في نوم عميق يصحبه صوت شخير عال وتقلب لجسده الضخم يرج السرير رجا كل عدة دقائق.
اغمضت عيناي وظللت اتذكر اصدقاء الفصل ومدرسة الفصل القاسية في حنان حتي غلبني النوم
..... في الصباح الباكر لم يدعني احد الي الاستيقاظ كالعادة.
لم أجد حقيبتي القماشية البالية في مكانها واختفي الزي المدرسي من مكانه.
وددت لو اتحدي رغبة ابي فاهرب الي المدرسة ولكن انتابني خوف ورعب شديدان
... جلست القرفصاء في احد اركان الغرفة أبكي في صمت.
لم يكن بمقدوري البوح باعتراضي. قبل الظهر بقليل سحبني ابي خلفه لاجد نفسي أمام ورشة.
قرأت بسهولة المكتوب علي اليافطة
....زينهم ..ميكانيكي سيارات.
كان زينهم يجلس علي الكرسي منتفخ الكرش متورم العينين والوجه ايضا.
الشيشة أمامه وكوب الشاي الساخن
.. يأتي طفل صغير في مثل عمري يحمل صينية الافطارالمعدنية وعليها اطباق معدنية صغيرة بها فول وفلافل وعيدان جرجير وبعض من الفلفل والباذنجان المقلي
. وثلاتة من الارغفة الطازجة
. نظرت الي الطعام
. سال لعابي .
تحدث ابي مع زينهم فأشار بذراع الشيشة بعد أن أخذ منها نفسا عميقا.
انضممت الي اثنين من الصبية في مثل عمري أخذوا يحملقون ويطيلون النظر لي.
لم يعد ابي يسال عني ولكن كان اجري الاسبوعي يصل الي أمي بانتظام.
أذهب الي الورشة في السابعة صباحا لاجد باقي الصبية
.. نكنس الورشة وماامامها ونرش الماء ونقوم بتشغيل القرأن وايقاد جورة نار صغيرة ووضع البخورفيتصاعد الدخان برائحته الذكية .
كان هذا طقسا يوميا لكن الاسطي زينهم لم يكن يحضر الا قبل اذان الظهر.
بعد اسابيع قليلة بدأت فكرة الهروب من الورشة تراودني .
كان زينهم لايستعمل لسانه الاقليلا .
يقذف مافي يده من الات حديدية مهما كان حجمها في وجوهنا عند الغضب.
اصابني الكثير من الكدمات في ظهري وساقاي. واشار لي احد الصبية الي عدة ندبات قديمة في راسه .
اصابني الهلع ولم أعد أطيق البقاء.
صممت علي قرار الهروب من الورشه عندما طال احد المقذوفات راسي فاحدث جرحا صغيرا اسال الدماء علي وجهي فهرعت الي البيت أصرخ مفزوعا لتنظف أمي آثار الدماء وتربت علي ظهري بحنان .
تمسح دموعي وهي تبكي في صمت وتطلب من ابي اعادتي الي المدرسة فاحتضنها وابكي بحرقة لكنها لم تكرر ماطلبته ثانية عندما سحبني ابي من حضنها بعنف وذهب بي الي زينهم.
صعقت عندما وجدت ابي يقول له
...المرة الجاية اكسر دماغه.
وكأن القسوة والذل تنتج رجلا.
اقف الان أمام احدي اشارات المرور ومعي فوطة كبيرة أمسح الزجاج فانال جنيها او نصف جنيه في قليل من الاحيان وينهرني الكثيرون في كثير من الاحيان.
أصبحت أكره كل من يركبون السيارات .
ينقبض قلبي كلما رايت من هم في مثل عمري يركبون السيارات بجانب امهاتهم او ابائهم .
لاباس كانت حصيلتي من هذا العمل تفوق مايعطيني زينهم .
علم ابي ولم يغضب فقد كان كل مايهمه هو المعلوم.
قررت ان أغير نشاطي سوف أعمل في مجال غزل البنات فقد قال لي بعض الصبية انه خفيف الحمل ويدر ربحا أكبر ولايحتاج الا الي زمارة صغيرة وساق خشبية طويلة.
مرحباً بالتعليقات الجديدة .