كتب د اسامه حمدى
حين قال مبارك أنا أم الفوضى كان يعي تمامًا ما يقول ففي عصر مبارك الذي إستمر لثلاثة عقود إنقسم الشعب الى خمسة فرق تعايشت مع بعضها البعض بما يشبه المستحيل داخل إتحاد كرة سياسي يعمل بنظام قمعي يضرب الخارج عن هذا التعايش بقسوة! الفريق الأول كان يضم طيف واسع من أصحاب المصالح والمنتفعين من نظامه والفاسدين في عصره سياسيا وماليًا ومنهم من كون ثروة من الاراضي والمنتجعات وبيع المصانع والسمسرة وكان هؤلاء يلعبون جميعًا في خط الوسط أما خط الهجوم فكان مكونًا من جيشًا من البلطجية والشبيحة والمجرمين من داخل السجون وخارجها ومجموعة من عشوائيين الفكر والمعيشة والآلاف من الأرزقية وكان يربط خط الوسط مع خط الهجوم لعبة المال والحصول عليه بأى وسيلة وبأى شكل وكان من العادي أن يكون لكل لاعب في خط الوسط مجموعة من البلطجية وحثالة الناس في خط الهجوم تسدد لهم في المرمى وتقضى لهم مصالحهم فوق قانون الكرة السياسي والعام والاخلاقي وكان هذا الفريق في تعايش حميد مع الشرطة تعرفهم بالاسم والعنوان والسوابق فتقرصهم حين تريد وتتركهم يلعبون حين تريد وتجندهم إن إحتاجت لذا فقد كانت تشكل لهم خط الدفاع الصلد. ولنطلق على هذا الفريق "فريق المال". وكان الفريق الثاني مكون من اللاعبين المثقفين والعلماء والشباب اليافع الذي فتح عينيه فوجد العالم يتغير بثورة المعلومات والانترنيت وخطط اللعب الحديثه. جيل علم نفسه بنفسه وأتقن جميع أدوات العصر بعد أن فشل نظام مبارك في تعليمه وتدريبه. كان هذا الفريق يتطلع للحرية والعدالة والديموقراطية وكان يرى العالم يتحرك ومصر محلك سر في ملفات حقوق الانسان والعدل وتكافؤ الفرص. كان هذا الفريق يغلي باستمرار رغبة في التغيير للأفضل وليس لكسب الدوري لذا كان هذا الفريق بأجمعه من المهاجمين بدون خط وسط أو دفاع. وكانت الجهات الامنية لاتحاد الكرة السياسي تتابع هذا الفريق المشاغب ذا الصوت العالي بحذر ولكنها تحترمه لأن له رأى حر من حريفة السياسة وكانت تتدخل معه فقط إن خرج عن النظام وقواعد اللعب في وقفات أو إحتجاجات وكانت تترك له صمام أمن ينفس فيه عن غضبه حتى لا ينفجر. وللأسف ضم هذا الفريق بعض اللاعبين الذين تعاونوا مع الخارج في منظمات مدنية وإجتماعية أو تلقوا أموالًا مباشرة أو غير مباشرة لتنفيذ أجندة إتحادات كرة خارجية. ورغم صغر هذه المجموعات إلا أنها وَصَمت هذا الفريق بالتآمر والعمالة. ولنسمى هذا الفريق "فريق التغيير". والفريق الثالث كان من بقايا الطبقة المتوسطة الضخمة من روافد عهد عبد الناصر وهم من أطلق عليهم حزب الكنبة. كانوا أكبر سنًا ويعيشون حياة شبه كريمة تكفيهم بالكاد. كانوا بسيرون "جنب الحيط" لا يشاغبون ولا يتمردون ولا يهاجمون ولا يدافعون وإن كان داخلهم يتحصر على دولتهم وقيمها وأخلاقها التى ضاعت مع فريق المال. كانوا في مقعد المتفرج يقرأون الاخبار ويتابعون المسلسلات بنفس الاهمية ولا يشغل بالهم سوى الستر في الدنيا والآخرة. فكان كل لاعبي هذا الفريق في خط الوسط بلا هجوم يذكر أو دفاع يحمي مرماهم. ولنطلق عليه "فريق الكنبة". والفريق الرابع كان فريقًا دينيًا يضم الاخوان والسلفيين والجهاديين وكان هذا الفريق ينمو ببطء تحت نظر أمن الدولة وكان لكل منهم ملفه وأجندته وينتظر اليوم الذي يحققها فية. كان أكثر هذا الفريق تنظيمًا مجموعة الاخوان التى تلعب في خط الوسط وتهجم حين تواتيها الفرصة وتدافع وتتشرنق وتسد المرمى عند الضغط عليها ولكنها دائمًا ما تراوغ في الوسط فتعاونت وتعاملت ولعبت مع الجميع داخليًا وخارجيًا من أجل هدفها الأسمى في الوثوب الى الحكم وتسديد الجول بعد أن فشلت تجربتها الأولي بعد ثورة ٥٢. هذا الفريق يعرف جيدًا أن الكورة أجوال ويعرف جيدًا كيف يلعب ليفوز وقد تدرب في الاتحادات والنقابات ويسانده جمهور الدرجة الثالثة في النجوع والكفور. فكان هذا الفريق يتعايش مع النظام الحاكم والنظام الامني للاتحاد بنظام شعرة معاوية التي لا تنقطع. وكان خط دفاع الفريق من اللاعبين في المربع السلفي المأمون الجانب فهو لا يخرج عن حاكم ويتمنى من قلبه قيام دولة إسلامية تطبق شرع الله. وكان هذا الفصيل من اللاعبين لا يواري ولا يكذب ولا يتآمر وكان مأمونًا من جانب أمن الدولة التى تعرفه تمامًا. وكان أخطر من في هذا الفريق خط هجومه من الجهاديين الذي لا يمانعون في أى لحظة من إستخدام السلاح والعنف لتغيير سير المباراة وتعديل المعوج من وجهة نظرهم فمنهم من لعب في دوري أفغانستان ودوري البوسنة وقاتل وقتل على "رأى الدكتور مرسي". وهذا الفريق كان تحت الرقابة الشديدة لمخابرات وأمن دولة إتحاد الكرة السياسي وتعرفه دول الغرب لاعبًا لاعبًا أكثر مما نعرفه نحن منذ مباريات التسعينات. لذا فهذا الفريق هو "فريق الدين". والفريق الاخير الاكثر تنظيمًا هو فريق الجيش والذي يشكله مندوبًا من كل أسرة مصرية. هذا الفريق تربى على الالتزام والطاعة والكثير من القيم العسكرية وكان لا يتداخل أو يلعب مع أو ضد أى من الفرق السابقة بعد أن إستقل ماليًا وإقتصاديًا بملاعبه ونواديه وأراضيه وفنادقه وكانت قياداته تضع عينها على الدوري من بعيد ولا تخرج عن النظام والضبط والربط والولاء للحاكم وسياسة الإتحاد الداخلية والخارجية. وهذا الفريق متوازن بين الهجوم والدفاع والوسط ويلعب بخطة محكمه وكابتن ومدرب فاهم. لذا فهو "فريق الربط". كان من الصعب الوصول للمعادلة الصعبة للتوازن بين جميع الفرق أو وضعهم في دوري سياسي واحد ولكن مبارك كرئيس مخضرم لإتحاد الكرة السياسي إستطاع ذلك ببراعة مع وزير داخليته وأجهزة إتحاده الأمنية الصارمة والغاشمه. لذا كان يعرف مبارك أنه لو رحل من الاتحاد ورحل نظامه ستسود الفوضى وتتقاتل كل هذه الفرق على الفوز وقد كان!! أشعل فريق التغيير الثورة بخط هجومه المشاغب وكان لا يتوقع لها أن تمتد فهو فريق بلا كابتن ولا مدرب وكل لاعب فيه يلعب بطريقته الخاصة وإنضم له بعد أيام فريق الدين المنظم باستثناء خط دفاعه من السلفيين المأمونين الجانب فقد أعلن أنه لن يلعب. وأيدهم على إستحياء وخوف عليهم فريق الكنبة الذي يلعب بخطة كوبر للتعادل السلبي. لم يقف فريق المال ساكنًا وهو يرى عرشه ومصالحه وترتيبه المتقدم في الدوري يتهاوى أمام عينيه فبدأت المباراة الشرسة بين فريق المال بخط هجومه الكاسح من البلطجية والمشاعبين مدعومًا بخط وسطه بالمال والتخطيط وخط دفاعه الامني ومنتخب الفريقين الثائرين. وتدخل فريق الربط ليساند المنتخب معنويًا ويحميهم دون تمرد واضح على الإتحاد حتى ينقشع الغمام. كما لعب كخط دفاع سلبي في فريق المال بعد أن إنهار دفاعه الامني تمامًا في أول المباراة الشرسة. وكلنا يعرف بعد ذلك تسلسل مباريات الدوري السياسي المصري. كان من الطبيعي أن يصل للمباراة النهائية ليفوز بالدوري أكثر الفرق تنظيمًا وإمكانيات وهما فريق الدين وفريق الربط. كانت المباراة الشرسة بينهما على إستاد مصر مباراة للملاكمة وليس لكرة القدم فقد كسر فريق الدين كابتن فريق الربط وكسر معه أهم مهاجميه ولعب أسوأ مباراة بلا خطة إو خبرة وهاجم حكم المباراة من القضاء ومذيع المباراة والمراسلين الرياضيين من الاعلام ولكنه أصاب الجمهور بالغثيان رغم فوزه بالشوط الأول! نزل فريق الربط في الشوط الثاني وهو مصمم على الفوز بالدوري خاصة أن فريق الكنبة بأكمله وبعضًا من فريق التغيير يؤيده. لَكَمَ فريق الربط كابتن الفريق المنافس لكمة أطاحت به وكانت ضربة قاضية له ولفريقة الذي إحتج بشدة ورفض اللعب وكسر عارضة الجون ومزق شباكه فتم إخلائه بعنف من أرض الملعب فطاح في المدرجات تكسيرًا وحرقًا. لقد فاز فريق الربط بجدارة وبخطة محكمة وتربع على عرش الدوري بلا منازع. كان من المأمول أن يتعاون فريق الربط مع فريق التغيير وهو مالم يحدث فلقد عاد فريق المال بقوة للدوري السياسى ليلعب فيه وبه. لم يقدر عليه فريق الربط حتى الآن فتعايش معه سلميًا على أن يدفع الأخير تكلفة المباريات. إنحل فريق الدين وربما لن يعود للدوري السياسي أبدًا. وإن عاد فسيعود تحت غطاء فريق آخر بعد أن فضحت نواياه ودوافعه وتمويله وبعد أن تمرد بعد إقصائه المُذِّل من الدوري لسوء تخطيطه وإدارته وجهله. مازال فريق الدين يحلم بالعودة ومازال فريق التغيير يعيش أحلام اليقظة في حين أصبح فريق الكنبة مستأنسًا كالعادة وإن كان يعاني من شظف العيش وغلوه وربما يبيع لاعبيه هدومهم ليستمر . أما فريق المال فقد طفى على السطح بماله وفسادة. ومازال الدوري مستمرًا بدون جمهور..فهل تلعب مع أى فريق منهم أم تكتفي بالتعليق...!!!!؟؟
مرحباً بالتعليقات الجديدة .