كتب / عمرو الفقي
عدت من عملي مرهقا كالعادة ، بضعة درجات قلائل تفصل بين باب سيارتي في ( جراج العمارة ) وباب المصعد الذي كلما فتحته تثاءب متذمرا بصوت مزعج يعبر به عن سخطه منا معشر السكان.... و
لحظات وكنت أمام مثواي الأخير الذي أطلق عليه مجازا " شقتي " ؛ فبعد أكثر من ١٢ ساعة عمل متواصل أشعر بجسدي المنهك ينهار معلنا استسلامه ولاعنا كل ضغوطات الحياة؛ فألقي بملابسي وجسدي كليهما على فراشي " الهزاز " غارقا في عالم الأحلام ...
هكذا كنت أموت يوميا ، إلى أن عرض علي أحدهم " عزومة " في شارع المعز فور خروجنا من العمل ، حقا لا أدري كيف دب في ذلك المرهق نشاط عشريني مفاجئ !
إءا إنها ثورة الجسد والعقل و الروح ضد دكتاتوريتي العملية الروتينية البغيضة..
وفجأة أجد نفسي في قلب القاهرة الفاطمية وقد تنشقت عبير ١٠٠٠عام أو يزيد...
نعم أعشق ذلك المكان بكل تفاصيله وبازاراته ومشربياته العتيقة ، وكلما ذهبت هناك لابد لي من التبرك بذلك المزار التراثي العتيق ، إنه " بازار رانيا عوف " ما إن تطأ قدمك هذا المكان حتى توقن بأن " اللي خلف ما متش " ورثت رانيا ذلك المكان عن والدها رحمه الله ، لم تفكر في بيعه وحصد مئات الآلاف ، بل قررت رانيا إحياء تراث الأجداد في أبهى صورة..
على جدرانه علقت لوحات تراثية بأياد عصرية وروح مصرية أصيلة ، في كل ركن من أركان المكان تحفة فنية تشهد برقة و دقة صائغها ، لم أملك نفسي حين رأيتها تلك المبدعة الرائعة بمعنى الكلمة " رانيا عوف " إلا ووجدت نفسي أصف وأجول وأصول في روعة التصميمات الجديدة والانتاج اليدوي الدقيق والخامات الثمينة المحلاة بنكهتها المصرية المميزة والتي تميز انتاجها دوما عن منافسيها.
وعن نشأتها أخبرتني " عوف " بأنها من مواليد القاهرة عشقت منذ صغرها السياحة والآثار والتراث درست السياحة وقرأت وطالعت وبحثت عن ذاتها حتى وجدتها قابعة بين تلك الجدران العتيقة فأطلقتها وحررتها وجعلتها تهيم وتغرد بين أرجاء المحروسة لتطلق تلك الأغاريد التراثية المجسمة والمنقوشة والمعلقة والمزينة بألوان الحياة....
وهو الأمر الذي جعلها تستحق وبجدارة تولي منصبي رئيس شعبة الحلي ولجنة الورش لدى الجمعية المصرية لفنون الأرابيسك والمشربية..
ولم تعزف رانيا فقط على فيثارة التراث المصري بل أطلقت أيضا تراتيل السلام العالمي بصفتها سفيرة له في منظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان..
مرحباً بالتعليقات الجديدة .