كتبت / دعاء نصر
كانت شديدة الاعتذاذ بجنسيتها على الشاشة بقدرة تمثيلية هائلة فحسب لكنها أيضا تتعامل مع الشخصيات بأريحية تامة تجعلها أقرب للنسوية منها للنسائية ولم تنسلخ من الطابع الأنثوى فى أى من أدوارها تحاسب الآن النجمات على أقل تصريح يدلين به تخيلوا معى لو كانت هدى سلطان صرحت بالسبب الذى دفع فريد شوقى لتطليقها فى وقتنا الحالى فبمنتهى الأريحية صرحت هدى فى لقاء تليفزيونى بأنها استمرت فى فيلمها الأشهر "إمرأة على الطريق" حتى بعد إستبدال البطل فريد شوقى برشدى أباظة على الرغم من اعتراض وحش الشاشة وقتها وتهديده لها بالطلاق وبررت هذا "أمال أخرب بيت المنتج؟" منطق جرىء وإنسانى من إمرأة لم تتنصل يوما من ماضيها السينمائى حتى بعد ارتدائها الحجاب ظلت معتزة بأدوار الإغراء الشعبى التى برعت فيها أيام شبابها حينما كانت فتنتها محط الأنظار بل وواظبت على الغناء فى الحفلات وهى مرتدية الحجاب بنفس الدلع والغنج اللتين كانت تتمتع بهما فى صباها بعيدا عن "إمرأة على الطريق" والذى يمكن اعتباره أكثر أدوارها جرأة وإثارة فإن نسوية هدى سلطان تتجلى فى تجسيدها لدور فاطمة تعلبة فى مسلسل "الوتد" المسلسل الذى التفت حوله الأسرة المصرية عام ١٩٩٦ والذى أنتهى نهاية ميلودرامية كئيبة تليق بدراما تلك المرحلة فاطمة تعلبة شخصية ليست فقط قوية لكنها أيضا مذمومة كريهة فى سباقها المحموم لامتلاك الأرض والإبن تتخطى كل النزعات الإنسانية والعاطفية هدفها الأوحد هو السيطرة وصناعة إمبراطورية تترأسها هى وابنها الأكبر درويش الذى يقوم بدوره يوسف شعبان والذى تتخذ منه بديلا ذكوريا للزوج ضعيف الشخصية لكن على عكس العادة فإن هذا الإبن على قوة شخصيته وعنفوانه لا يجرؤ على تخطى أمه أو إتخاذ قرار دون موافقتها عادة فى تلك النوعية من المسلسلات فإن الأم تكون شخصية من اثنتين شريرة على طريقة زوجة أب سندريلا خلقت للمكائد وتحطيم حياة الآخرين أو طيبة كفردوس محمد وأمال زايد خلقت للقمع والدعاء للأبناء لو كانت الصحافة الأمريكية تتشدق بدور جوى Joy (٢٠١٥) للأمريكية جنيفر لورانس كونها إمرأة تترأس عائلة بأكملها فإن فاطمة تعلبة ماتريرك matriarch من قبل أن تظهر جنيفر على الساحة وقوتها تعود للعهود السحيقة حينما كانت النساء القويات تحكمن قبائل وتحددن نظام الحياة فيها فترسخن لأسس العلاقات بين أفرادها وفى "الوتد" الذى كتب السيناريو له المبدع خيرى شلبى عن رباعيته بنفس الإسم ما فاطمة تعلبة إلا شخصية ملحمية بكل عيوبها ومحاسنها تغلب عليها الصرامة والقسوة النابعتان من عاطفة الأمومة نفسها والتى دأبت الدراما للأسف على تصويرها كعاطفة أحادية البعد لا تخرج سوى الإيجابية والحب الغير مشروط من عباءتها بينما الأمومة أعقد وأكثر إظلاما من هذا بكثير جسدت هدى أكثر من شخصية أمومية مركبة من أم حسن فى مسلسل "أرابيسك" وأم رحيم فى "الليل وآخره" والحاجة آمنة فى "زيزينيا" ونفيسة هانم فى "ليالي الحلمية" وأبرزها دور الأم فى رائعة يوسف شاهين "عودة الإبن الضال" لكن أحد أفضل الأدوار فى مشوار هدى سلطان الفنى هو بهية من فيلم "الإختيار" أحد أهم إنجازات يوسف شاهين على مدار تاريخه بهية إمرأة محبة للحياة ممثلة مسرحية سابقة تمتلك بيتا يضم صعاليك المجتمع من فنانين ورسامين ونساء منسيات الطاقة الجبارة التى أخرجها شاهين من هدى سلطان فى دور بهية جعلت منه دورا أسطوريا يكاد يتفوق على دور سعاد حسنى فى الفيلم لأنها رغم جمالها الشديد وإثارتها فى دور شيرين إلا أنها لا تقارن ببهية إن كانت شيرين "العصفور" تمثل مصر المعطاءة الملتزمة (النهارية) فإن بهية "الإختيار" تمثل مصر العابثة إبنة النكتة (الليلية)