كتبت سالى عبدالمنعم
يبدوا هذا الكلام للوهلة الأولى متناقضا أو فلسفيا لا معنى له.
ولكن الحقيقة أن الأمومة ليست مسؤولية المرأة وحدها وللأسف الشديد الأطفال ينمون فقط بأمومة تمارسها المرأة.
كيف ذلك؟
في الحقيقة نحن تعودنا دائما على مدح الأم وتقديسها تعودنا أن نتصور في اذهاننا أن الأمومة سلوك ينبع من قلب النساء بشكل كامل، بحيث أن الأمومة إن فشلت نقول أن هذه الأم مريضة أو فاشلة أو مهملة.
في أذهاننا دائما صورة المرأة التي يشع حضنها بالأمان والحنان والقوة والشجاعة وكأنما الأمومة شعور تشعر به النساء لتغدق به صغارها بمعزل عن أي ظرف أو أي عوامل خارجية.
وحتى إن تصورنا أن الأم وحدها لا تستطيع أن تقوم بأمومة كاملة ولكننا دائما نؤمن بأن الدور الأساسي في الأمومة هو للأم.
حسب المؤلفات التي قرأتها عن سيكولوجية الأمومة اكتشفت شيئا لم أكن لأكتشفه لولا تجربتي مع التوحد.
اكتشفت أن الأمومة ليست فعلا ذلك الشيء الموجود في قلوب النساء بشكل فطري كوجود الرئتين أو القلب أو باقي اعضاء الجسم.
حسب ما فهمته في الكتب التي تناولت سيكولوجية الأمومة، فالأمومة هي أشبه بالظاهرة التي تنزل في أي مكان يولد فيه مولود جديد. كيف ذلك؟
الأمر يشبه بالنبتة التي على الجميع أن يسقيها بما في ذلك الأم، على الجميع أن يشارك في سقاية هذه النبتة، وعلى الجميع أن يعتني بها إلى ان يحين وقت يصبح فيه الطفل مستقلا بذاته ولا يحتاج عناية أحد.
نبتتة الأمومة حسب ما درسته في كتب سيكولوجية الأمومة تبدوا مستقلة عن الأم وتبدوا الأم فيها واحدا من الأطراف التي تسقيها فقط.
من هم المشاركون في سقاية نبتة الأمومة؟
- الجدات حتى لو لم تكن هذه الجدات مباشرة للرضيع يكفي أن تكون فقط لها خبرات في تربية الأطفال كأن تكون مثلا جارة مسنة لها عدد من الاولاد والاحفاد، يكمن دور هؤلاء الجدات في تقديم خبرات للأم وتعليمها كيفية التعامل مع المواقف الطارئة كالحمى مثلا أو الإمساك أو الإسهال، كذلك يقدمن لها طرق العناية بالرضيع مثلا تحميمه وإرضاعه ومتى يمكنه ان يأكل خضار وكيف يمكن ان نحضر له طعاما لا يضره.
- الأمهات الخبيرات وهن نساء كان لهن خبرات سابقة في الإنجاب وتربية الأطفال لهن نفس دور الجدات ولكن الاختلاف يكمن في أن معظم هؤلاء النساء يسبقن الأم في تجربتها بأشهر أو سنوات قليلة مثال: أخت ولدت منذ سنة وهي مازات تمارس أمومتها ومن خلال خبرتها تساعد أختها التي ولدت منذ شهر واحد في الاعتناء بصغيرها، فهؤلاء الأمهات مازلن أصلا في مرحلة تعلم الأمومة.
- الأب وهو الشخص الذي يقسم الحياة مع الأم التي انجبت فالمفروض أن يوفر لها الأمان والدعم المادي والمعنوي للمضي قدما وان يحرص على توفير الحماية والعناية الصحية والغذاء لطفله.
- الأطباء والمختصين: من المفروض أن يكون دورهم وقائي بحيث ينصحون الأم الجديدة بكل ما يجب أن تفعله أو تتجنبه من أجل أن ينمو الطفل في صحة جسدية وعقلية ونفسية جيدة.
- الأم: وهي الشخص المكلف بممارسة الأمومة الغير موجودة أصلا في البداية فدور الأم هو أن تقوم بممارسة بعض الأفعال والنشاطات مع طفلها من اجل بدأ نسج الأمومة معه، وطبعا هذه الأم لن تستطيع فعل شيء إذا لم يكن موجود الاطراف التي ذكرناها سابقا، فنصيحة الجدة وتعليمات الأمهات الخبيرات ودعم الأب وتوجيهات الأطباء هي من سوف تحرك الأم من أجل القيام بممارسة امومتها، وهي التي تضمن للأم عدم الخروج عن الطريق الصحيح في ممارسة الأمومة.
ماهو الطريق الصحيح في ممارسة الأمومة: هو أي طريق يوصل الأم وطفلها إلى التعلق، ما هو التعلق هو الدخول في مرحلة انصهار بين الطفل وأمه بحيث ان يصبحا أشبه بالكتلة الواحدة يفهمون على بعض كل شيء، والتعلق هو من يوصل الطفل إلى أهم درجة من درجات الذكاء وهي درجة برمجة الحواس والحركة القاعدية التي سوف يعيش عليها الطفل طوال حياته، وليس غريبا أن الفطام يأتي بعد نجاح التعلق فالطفل بعد مرحلة معتبرة من التعلق بينه وبين أمه يبدأ يدخل في مرحلة الاستقلالية لأن دماغه بدأت تتبرمج ليكون انسان مستقل، وبالتالي فإن عدم النجاح في التعلق لن يمكن الطفل من الوصول لهذه الدرجة من الذكاء وعدم النجاح في التعلق يكون ناتج عن عدم اتباع الطريق الصحيح في الأمومة وينتج هذا فقط حينما يتنصل كل الأطراف المشاركين في الامومة من مسؤولياتهم ويضعونها على عاتق الأم.
في عصرنا غالبا وحسب ما استنتجته من خلال التحدث مع مجموعة كبيرة جدا من الأمهات هناك عوامل أدت إلى اختفاء كل الأطراف التي من المفروض أن تشارك في سقاية الأمومة وفي كثير من الأحيان حتى الأم نفسها تجبرها الظروف على ترك مهمتها بسقاية نبتة أمومتها:
- قطع صلة الرحم لأسباب مادية أو اجتماعية سواء عن طريق الشجارات العائلية أو اضطرار الأم والأب للسفر لبلد ليس فيه أحد يعرفونه لظروف مادية: في هذه الحالة تجد الأم نفسها تقاوم لوحدها وتريد أن تفعل الكثير من الأمور التي أصلا هي ليست من مهمتها أو تقوم بأمور خاطئة نظرا لأن الأطراف الناصحة والموجهة غائبة، فتصل إلى طريق مسدود مليء بالاحباطات والصدمات النفسية المتتالية.
- تغير وظيفة الكثير من الجدات فبعد أن كانت الجدة هي ذلك الكائن الشجاع الخبير الواثق من نفسه والذي يقدم خبراته غصبا عن الجميع دون أن يتجرأ أحد على انتقادها، أصبحت الجدات اليوم يتجنبن القيام بوظيفتهن من جهة لأن المجتمع لم يعد يثق بخبراتهن فهناك إعلام وأطباء ومختصين يتكلمون في التلفزيون وكتب تعليم تربية الأطفال تغني عن كلام جدة لم تدخل يوما للمدرسة ولا تعرف حتى كتابة حرف واحد، ومن جهة ثانية بسبب المشاكل العائلية أو شجارات الجيران.
وبعض الجدات المثقفات فضلن حياة الموضا واخترن أن يكون لهن فيسبوك و ان يكون لهن لوحة رقمية يتابعون فيها احدث وصفات الطبخ واحدث تفسيرات الأحلام وحتى بعض المواقع الدينية والسياسية، مما سبب هدرا كبيرا في الوقت فلم يجدن حتى الوقت من أجل القيام بدورهن في سقاية هذه الشجرة الخاصة بالأمومة، دون أن ننسى المسلسلات التركية التي اخذت معظم وقت الجدات.
- الأب في زمن سابق كان دوره توفير غرفة واحدة ولقمة يأكلها أولاده وزوجته فكان له من الوقت ما يجعله يقوم بدور الأبوة في دعم زوجته وأطفاله ولكن اليوم الأب لم يعد كذلك فالمطلوب من الأب اليوم توفير بيت مستقل ومن الأفضل أن يبنى بالسيراميك الفاخر ويكون مجهز بأحدث الأجهزة، وسيارة جميلة مقبولة الشكل ودروس خصوصية وأشياء كثيرة لم تكن موجودة لملايين السنين ولكنها أصبحت أساسية في زماننا، مما جعل الأب يتحول إلى آلة عمل يجب أن تحرث الأرض حرثا من أجل توفير أفخم وافخر الأثاث لأسرته فلم تعد له من الطاقة ما يكفي ليكون أب بشكل نفسي.
- الأطباء والمختصين ولفترة من الزمن رأيناهم في الشاشات وهم يقولون أن الشاشات لا تسبب التوحد وأن التوحد شيء غامض ونسيو أصلا التكلم عن الأمومة والتعلق في محاضراتهم وندواتهم ومقابلاتهم التلفزيونية في زمن كزماننا هذا، وحتى عندما يقوم أحدهم بالحديث عن أخطار الشاشات يقوم بذلك بشكل متحفظ ربما خوفا على مستقبله من لوبيهات أو لا ادري لماذا.
- الأم: في زمن سابق كانت مهمة الأم هي تربية الأطفال والمحافظة عليهم قدر المستطاع ولكن اليوم أصبح يطلب من الأنثى ان تعمل في وظيفة وأن توفر أشياء كثير مادية لأطفالها مما جعل الأم تضييع الكثير من الوقت بعيدا عن اطفالها، الأم في زماننا أصبح مطلوب منها أن تتوظف وأن تعوض المجتمع الذي ضاع بسبب الغربة أو قطع صلة الرحم، أما الأم الغير موظفة وبعد فشلها في لعب أدوار الأطراف الغائبة ففضلت أن تقوم بدور المعلمة وابنها لم يتجاوز 4 سنوات فتجدها مضغوطة نفسيا وهي تحاول جاهدة تعليم الألوان والاحجام والاشكال والارقام لطفلها الذي يبلغ من العمر 3 سنوات رغم أنه في زمن سابق لم تكن هذه الاشياء اصلا تحدث ولكننا نملك جدات واجداد اليوم اذكى من انشتاين بحيث أنهم يتكلمون بطلاقة ويفسرون لك الحياة ويعرفون الحساب والألوان والاشكال رغم انهم لم يسبق وان دخلو مدرسة أصلا.
أصبح المطلوب من الأم أن تقوم بدور مادي بحت حيث يلزم عليها تعليم طفلها لغة أجنبية حتى وان كانت لا تتقنها وأن تعلمه قواعد الحساب وأن تتسابق مع الزمن من أجل أن تحقق هدف خيالي وهو جعل طفلها اذكى من جميع الاطفال في المدرسة التي سوف يدخلها بعد سنوات تدخله حضانة في سن السنتين وتوفر له أفخم انواع الألواح الرقمية من أجل أن يطبق كل التطبيقات التي تباع في الانترنت عن تنمية الذكاء المزعوم والذي لا ندري من أين وقع علينا؟ ولكنها تتفاجأ بعد ان يكبر الطفل قليلا بأنه يعاني مشاكل رهيبة في السلوك والانتباه وصعوبات التعلم والتواصل.
الأم اكتفت بدورها المادي فكيف لها أن تقوم بدور العائلة و الحارة؟ ودور الجدة؟ والمصيبة ان هذه الأشياء لا نستطيع شراءها بالمال؟
**************************
الأمومة ليست مسؤولية المرأة وحدها!
ولكن دماغ الطفل ينمو بالأمومة التي تمارسها المرأة!
هذه العبارة من أجل تفسير لبس في البرنامج وهو السؤال الذي يطرح عليا من كثير من الأمهات:
- ما دور أبوه لماذا انا التي عليا أن أطبق البرنامج؟
الإجابة:
التوحد ناتج عن غياب كل الأطراف المشاركة في الأمومة بمباركة من الشاشات وقنوات الأطفال، لا أحد قام بسقاية النبتة الخاصة بالأمومة، ونتج عن ذلك ملايين أطفال التوحد في العالم.
المجتمع كله تنصل من مسؤوليته وقام كل المجتمع كله بوضع الطفل أمام قنوات الأطفال، لم تكن الأم الطرف الوحيد المقصر بل يبدوا أنها مذنبة فقط لأنه للأسف شجرة الأمومة تمنو بين يديها وليس بين يدي الجدة ولا الأب ولا الطبيب.
الأم رغم انها مجرد طرف من الأطراف الساقية لنبتة الأمومة ولكن كل المجتمع يشعر بطريقة ما أنها هي المسؤولة الوحيدة عن أمومتها فقط لأنها الوحيدة من بين الأطرف من تنمو نبتة الأمومة بين يديها ولكنها بالنهاية مجرد طرف من الأطراف المشارك في ظاهرة الأمومة.
في عصرنا أعدمت كل شروط الأمومة التي ذكرناها في هذا المنشور.
ودور برنامج أندلسية هو أن يوفر شروط نمو هذا الصغير وسط مجتمع قد مات.
دور البرنامج أن ينوب عن الجدة فيقدم للأم نصائح للتعامل مع طفلها المتوحد والذي كان من واجب الجدات أن يقدموها للأم في الوقت المناسب وليس بعد فوات الاوان.
دور البرنامج أن ينوب عن الأب لأننا نعلم أن الأباء معظمهم قد انهرسوا في دوامة الحياة ولم يعد لهم طاقة اصلا لممارسة الأبوة.
دور البرنامج أن ينوب عن الطبيب والمختص الذي ينصح الأم بنصائح مدمرة ويطلب منها أن تجلس طفلها امام الشاشات وهو اصلا لا يعلم عن ماذا هو يتكلم، البرنامج يقدم للأم نصائح نفسية ولغوية وطبية وبيولوجية عن شروط النمو التي خلقها الله بعيدا عن أي تزييف للحقائق.
دور البرنامج أن يحتوي الأم ويصنع لها دعائم تستند عليها إلى أن تخرج بطفلها من التوحد.
لماذا الأم؟
لأننا نملك فقط أن نوجه الأم فهذا أسهل بكثير من توجيه مجتمع قد مات؟ فمن أجل أن نحث المجتمع في المساهمة في تطبيق البرنامج يجب أن نعيد إصلاح مجتمع بأكمله وهذا أمر صعب يجب أن يتدخل فيه علماء في علوم الإجتماع والانثروبولوجيا وعلوم النفس والسياسة والدين ...الخ
ولأن الأم للأسف هي الوحيدة من بين جميع الأطراف من تملك حق مسك نبتة الأمومة بين يديها وهي الوحيدة التي يمكنها المضي قدما، وهي الوحيدة من بين الأطراف التي يمكنها أن تمارس الأمومة، بشرط أن ينوب البرنامج ينوب عن جميع الأطراف.
بأن يرسم لها الطريق الصحيح لممارسة الأمومة من أجل الوصول للتعلق وبالتالي الوصول لمستوى ذكاء يتيح للطفل الأستقلال والخروج من قوقعته إلى الحياة التي خلقها الله.
فمن يستمع للقناة سيجد نصائح الجدة والجارة والأخت والطبيب والمختص .... الخ
الأمومة ليست مسؤولية المرأة! ولكن الأم الوحيدة من يمكن أن تجلس في كفة ليجلس باقي الأطراف في الكفة الثانية.
ولكن دماغ الطفل ينمو بالأمومة التي تمارسها المرأة! دماغ طفل المتوحد بحاجة لأم هي في الحقيقة يتيمة، يتيمة مجتمع مييت غائب.
لذلك ففكرة أن نشرك جميع الأطراف في البرنامج هي أشبه بالخيال وفكرة أن تطبق الأم البرنامج حتى لو كانت وحيدة هي الأقرب للواقع وهي الأكثر نجاحا بدليل أن الكثير من الأمهات قد نجحوا بعلاج اطفالهم عن طريق البرنامج.
مرحباً بالتعليقات الجديدة .