للكاتب : إسلام حمدى
غادر عمله في طريقه إلى مسكنه بعد عناء يوم طويل .. فلقد سار اليوم - كأغلب أيامه - مليئآ بالمكدرات التي يعاني منها .. حيث يبدأ يومه بالركض بين وسائل المواصلات المتعددة ، مرورآ بطبيعة عمله الذي يؤديه رغمآ عنه ، وسط مضايقات بعض زملائه شديدي التطفل والتدخل في شئون حياته ..
وبينما هو في طريقه إلى حيث يسكن ، دق هاتفه المحمول :
- ألو ، أستاذ أشرف ؟
رد بهدوء : أيوه .. مين معايا ؟
- إحنا مستشفى عين شمس التخصصي يافندم .. الحقيقة .. أصل الموضوع ..
قاطعه : ممكن حضرتك تدخل في الموضوع علطول .. إنت كده قلقتني ..
- أنا آسف يافندم .. بس مدام (رشا) عملت حادثة بعربيتها ، والناس نقلوها عندنا ، وعرفنا من بطاقتها وآخر مكالمة عملتها إنها زوجة حضرتك .. للأسف حالتها خطيرة شوية ، ياريت حضرتك تلحق تشوفها ..
رد مدهوشآ : أنا جي حالآ .. ثواني وهكون عندكم ..
إنطلق إلى المستشفى مسرعآ ، لا يدري كم مشى أو ماذا ركب .. كل ما يسيطر على عقله الآن هو أن يرى زوجته ويطمئن عليها .. نسى كل الإرهاق والتعب الذي كان يعتريه .. تحامل على نفسه وهرول بكل ما أوتي من قوة ، متجاهلآ نصائح الأطباء له بعدم إجهاد ساقه اليسرى التي أصيبت نتيجة سقوطه من مكان مرتفع منذ أن كان صغيرآ ولم تلتئم بشكل صحيح ..
وصل إلى المستشفى منهك القوى ، يكاد قلبه أن يتوقف من شدة التوتر والقلق .. توجه إلى غرفة الطوارئ مندفعآ ، ولكنه تأخر قليلآ .. فلقد إنتهى الأمر قبل وصوله بلحظات ، دون أن ينظر إليها نظرة الوداع ..
إتصل بوالدته منهارآ : إلحقيني يا ماما .. رشا ماتت .. أنا خلاص حياتي إنتهت .. أنا إتحطمت خلاص ..
ردت أمه مشفقةَ : إهدى يا حبيبي .. أنا جايه حالآ ..
في دار المناسبات الملحقة بالمسجد الذي يسكن بجواره ، جلس وحيدآ منتظرآ توافد أهله وأصدقاءه ومعارفه لتأدية واجب العزاء .. ولكن ، لم يأت أحدآ منذ أن دخل القاعة وحتى كاد الليل أن ينتصف .. حضرت والدته وجلست بجواره قليلآ .. ضمته إلى صدرها وقبلته ، ثم قامت تتحدث في هاتفها المحمول ..
إقترب منها ليسألها عن سبب غياب المعزين ، فإذا به يسمعها تقول :
- الولد حالته تعبانه قوي يا دكتور .. التهيؤات المره دي شديدة عليه ، أنا خايفه عليه قوي .. دي وصلت لدرجة إنه بيتهيأله إنه متجوز وإن مراته ماتت في حادثة .. ده كمان راح حجز قاعة للعزاء وقاعد دلوقتي فيها لوحده .. أنا مش عارفه اعمل إيه بس ..
لم يصدق ما سمعه بأذنيه ، خرج مندفعآ من دار المناسبات وظل هائمآ على وجهه في الطرقات ، لا يدري ماذا يحدث .. لا يعلم أين يذهب .. ظل هكذا حتى أنهكه التعب ، ثم توجه إلى مسكنه ..
صعد إلى غرفته داخل العنبر وجلس على سريره ، ثم أخذ يحكي لطبيبه المعالج ما حدث له طوال اليوم ، فرد عليه الطبيب قائلآ :
- إهدى يا (أستاذ إبراهيم) .. أنا عارف إن النوبة المرة دي كانت قاسية عليك شوية .. خصوصآ إن صاحبك (أشرف) كان متعلق بوالدته – الله يرحمها – قوي .. عامةَ ، أنا عايزك تاخد الدوا وتنام دلوقتي عشان ترتاح ، إنت تعبت قوي النهارده ..
تناول الدواء في هدوء .. ثم إستسلم إلى النوم ، حتى يستعد ليومه الجديد ..
مرحباً بالتعليقات الجديدة .